فصل: باب موقف الإمام من الرجل والمرأة وكيف يصنع إذا اجتمعت أنواع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الدعاء للميت وما ورد فيه

1- عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

2- وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا صلى على جنازة قال‏:‏ اللَّهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللَّهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏ ورواه أبو داود وابن ماجه وزاد‏:‏ ‏(‏اللَّهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده‏)‏‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا ابن حبان وصححه والبيهقي وفي إسناده ابن إسحاق وقد عنعن ولكن أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عنه مصرحًا بالسماع‏.‏ والحديث الثاني أخرجه أيضًا النسائي وابن حبان والحاكم وقال وله شاهد صحيح من حديث عائشة نحوه‏.‏

وأخرج هذا الشاهد الترمذي وأعله بعكرمة بن عمار وفي إسناد حديث الباب يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال أبو حاتم‏:‏ الحفاظ لا يذكرون أبا هريرة إنما يقولون أبو سلمة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا ولا يوصله بذكر أبي هريرة إلا غير متقن والصحيح أنه مرسل‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ روى هذا الحديث هشام الدستوائي وعلي بن المبارك عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا اهـ وقد رواه يحيى بن أبي كثير من حديث أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مثل حديث أبي هريرة أخرجه من هذا الوجه أحمد والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وقال‏:‏ أصح الروايات في هذا يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه وسألته عن اسم أبي إبراهيم فلم يعرفه‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ أبو إبراهيم مجهول اهـ ولكن جهالة الصحابي غير قادحة‏.‏ وقد أخرجه الترمذي والحاكم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة ولكن في إسناد هذه الطريق عكرمة بن عمار كما تقدم‏.‏

وأخرجه أيضًا الترمذي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد اللَّه ابن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد توهم بعض الناس أن أبا إبراهيم الأشهلي هو عبد اللَّه بن أبي قتادة قال الحافظ‏:‏ وهو غلط لأن أبا إبراهيم من بني عبد الأشهل وأبو قتادة من بني سلمة‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة حديث آخر عند أبي داود والنسائي‏:‏ ‏(‏أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في صلاته على الجنازة يقول اللَّهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر لها‏)‏ وعن عوف بن مالك وواثلة وسيأتيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخلصوا له الدعاء‏)‏ فيه دليل على أنه لا يتعين دعاء مخصوص من هذه الأدعية الواردة وأنه ينبغي للمصلي على الميت أن يخلص الدعاء له سواء كان محسنًا أو مسيئًا فإن ملابس المعاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم ولذلك قدموه بين أيديهم وجاؤوا به إليهم لا كما قال بعضهم أن المصلي يلعن الفاسق ويقتصر في الملتبس على قوله ‏(‏اللَّهم إن كان محسنًا فزده إحسانًا وإن كان مسيئًا فأنت أولى بالعفو عنه فإن الأول من إخلاص السب لا من إخلاص الدعاء والثاني من باب التفويض باعتبار المسيء لا من باب الشفاعة والسؤال وهو تحصيل للحاصل والميت غني عن ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأحيه على الإسلام‏)‏ هذا اللفظ هو الثابت عند الأكثر وفي سنن أبي داود ‏(‏فأحيه على الإيمان وتوفه على الإسلام‏)‏‏.‏

واعلم أنه قد وقع في كتب الفقه ذكر أدعية غير المأثورة عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم والتمسك بالثابت عنه أولى واختلاف الأحاديث في ذلك محمول على أنه كان يدعو لميت بدعاء ولآخر بآخر والذي أمر به صلى اللَّه عليه وآله وسلم إخلاص الدعاء‏.‏

فائدة إذا كان المصلى عليه طفلًا استحب أن يقول المصلي‏:‏ ‏(‏اللَّهم اجعله لنا سلفًا وفرطًا وأجرًا‏)‏ روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة وروى مثله سفيان في جامعه عن الحسن‏.‏

3 - وعن عوف بن مالك قال‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على جنازة يقول اللَّهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار قال عوف‏:‏ فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لذلك الميت‏)‏‏.‏

رواه مسلم والنسائي‏.‏

4 - وعن واثلة بن الأسقع قال‏:‏ ‏(‏صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول اللَّهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحمد اللَّهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا الترمذي مختصرًا والحديث الثاني أخرجه أيضًا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده مروان بن جناح وفيه مقال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ وكذلك قوله ‏(‏فسمعته‏)‏ وفي رواية لمسلم من حديث عوف ‏(‏فحفظت من دعائه‏)‏ جميع ذلك يدل على أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم جهر بالدعاء وهو خلاف ما صرح به جماعة من استحباب الإسرار بالدعاء وقد قيل إن جهره صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالدعاء لقصد تعليمهم‏.‏

وأخرج أحمد عن جابر قال‏:‏ ‏(‏ما أباح لنا في دعاء الجنازة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا أبو بكر ولا عمر‏)‏‏.‏ وفسر أباح بمعنى قدر‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والذي وقفت عليه باح بمعنى جهر والظاهر أن الجهر والإسرار بالدعاء جائزان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واغسله بماء وثلج‏)‏ الخ هذه الألفاظ قد تقدم شرحها في الصلاة‏.‏

واعلم أنه لم يرد تعيين موضع هذه الأدعية فإن شاء المصلي جاء بما يختار منها دفعة إما بعد فراغه من التكبير أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو يفرقه بين كل تكبيرتين أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الأدعية ليكون مؤديًا لجميع ما روي عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

وأما حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى الآتي فليس فيه أنه لم يدع إلا بعد التكبيرة الرابعة إنما فيه أنه دعا بعدها وذلك لا يدل على أن الدعاء مختص بذلك الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن فلان بن فلان‏)‏ فيه دليل على استحباب تسمية الميت باسمه واسم أبيه وهذا إن كان معروفًا وإلا جعل مكان ذلك اللَّهم إن عبدك هذا أو نحوه والظاهر أنه يدعو بهذه الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكرًا أو أنثى ولا يحول الضمائر المذكورة إلى صيغة التأنيث إذا كان الميت أنثى لأن مرجعها الميت وهو يقال على الذكر والأنثى‏.‏

5- وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى‏:‏ ‏(‏أنه ماتت ابنة له فكبر عليها أربعًا ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال‏:‏ كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصنع في الجنازة هكذا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه بمعناه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏كبر أربعًا حتى ظننت أنه سيكبر خمسًا ثم سلم عن يمينه وعن شماله فلما انصرف قلنا له ما هذا فقال إني لا أزيد على ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصنع وهكذا كان يصنع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ قال الحاكم هذا حديث صحيح‏.‏ وفيه دليل على استحباب الدعاء بعد التكبيرة الآخرة قبل التسليم وفيه خلاف والراجح الاستحباب لهذا الحديث‏.‏

وقال الشافعي في كتاب البويطي‏:‏ إنه يقول بعدها‏:‏ ‏(‏اللَّهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده‏)‏ وقال أبو علي بن أبي هريرة‏:‏ كان المتقدمون يقولون في الرابعة اللَّهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار‏.‏

وقال الهادي والقاسم‏:‏ إنه يقول بعد الرابعة سبحان من سبحت له السماوات والأرضون سبحان ربنا الأعلى سبحانه وتعالى اللَّهم هذا عبدك وابن عبديك وقد صار إليك وقد أتيناك مستشفعين له سائلين المغفرة فاغفر له ذنوبه وتجاوز عن سيئاته وألحقه بنبيه محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم اللَّهم وسع عليه قبره وافسح له أمره وأذقه عفوك ورحمتك يا أكرم الأكرمين اللَّهم ارزقنا حسن الاستعداد لمثل يومه ولا تفتنا بعده واجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك ثم يكبر الخامسة ثم يسلم‏.‏

 باب موقف الإمام من الرجل والمرأة وكيف يصنع إذا اجتمعت أنواع

1- عن سمرة قال‏:‏ ‏(‏صليت وراء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الصلاة وسطها‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

2- وعن أبي غالب الحناط قال‏:‏ ‏(‏شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه فلما رفعت أتي بجنازة امرأة فصلى عليها فقام وسطها وفينا العلاء بن زياد العلوي فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال‏:‏ يا أبا حمزة هكذا كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقوم من الرجل حيث قمت ومن المرأة حيث قمت قال‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وأبو داود‏.‏ وفي لفظه‏:‏ فقال العلاء بن زياد‏:‏ ‏(‏هكذا كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي على الجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعًا ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة قال‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

الحديث الثاني حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسطها‏)‏ بسكون السين وفيه دليل على أن المصلي على المرأة الميتة يستقبل وسطها ولا منافاة بين هذا الحديث وبين قوله في حديث أنس‏:‏ ‏(‏وعجيزة المرأة‏)‏ لأن العجيزة يقال لها وسط وأما الرجل فالمشروع أن يقف الإمام حذاء رأسه لحديث أنس المذكور ولم يصب من استدل بحديث سمرة على أنه يقام حذاء وسط الرجل والمرأة وقال إنه نص في المرأة ويقاس عليها الرجل لأن هذا قياس مصادم للنص وهو فاسد الاعتبار ولا سيما مع تصريح من سأل أنسًا بالفرق بين الرجل والمرأة وجوابه عليه بقوله نعم وإلى ما يقتضيه هذان الحديثان من القيام عند رأس الرجل ووسط المرأة ذهب الشافعي وهو الحق‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ حذاء صدرهما وفي رواية حذاء وسطهما‏.‏ وقال مالك‏:‏ حذاء الرأس منهما‏.‏ وقال الهادي‏:‏ حذاء رأس الرجل وثدي المرأة واستدل بفعل علي عليه السلام قال أبو طالب‏:‏ وهو رأي أهل البيت لا يختلفون فيه‏.‏ وحكى في البحر عن القاسم أنه يستقبل صدر المرأة وبينه وبين السرة من الرجل قال في البحر بعد حكاية الخلاف مؤيدًا لما ذهب إليه الهادي‏:‏ لنا إجماع العترة أولى من استحسانهم انتهى‏.‏

وقد عرفت أن الأدلة على ما ذهب إليه الشافعي وأن ما عداه لا مستند له من المرفوع إلا مجرد الخطأ في الاستدلال أو التعويل على محض الرأي أو ترجيح ما فعله الصحابي على ما فعله النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وإذا جاء نهر اللَّه بطل نهر معقل نعم لا ينتهض مجرد الفعل دليلًا للوجوب ولكن النزاع فيما هو الأولى والأحسن ولا أولى ولا أحسن من الكيفية التي فعلها المصطفى صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏[‏العلاء بن زياد العلوي‏]‏ الذي في غير هذا الكتاب كجامع الأصول والكاشف وغيرهما العدوي وهو الصواب‏.‏

3- وعن عمار مولى الحارث بن نوفل قال‏:‏ ‏(‏حضرت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه فصلى عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فسألتهم عن ذلك فقالوا السنة‏)‏‏.‏

رواه النسائي وأبو داود‏.‏

4- وعن عمار أيضًا‏:‏ ‏(‏أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر أخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فجعل المرأة بين يدي الرجل وأصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يومئذ كثير وثمت الحسن والحسين‏.‏

5- وعن الشعبي‏:‏ ‏(‏أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر توفيا جميعًا فأخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤوسهما وأرجلهما حين صلى عليهما‏)‏‏.‏

رواهما سعيد في سننه‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وأخرجه أيضًا البيهقي‏.‏ وقال‏:‏ وفي القوم الحسن والحسين وابن عمر وأبو هريرة ونحو من ثمانين نفسًا من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

وفي رواية للبيهقي‏:‏ أن الإمام في هذه القصة ابن عمر‏.‏ وفي أخرى له وللدارقطني والنسائي في المجتبى من رواية نافع ابن عمر أنه صلى على سبع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الإمام وجعل النساء مما يلي القبلة وصفهم صفًا واحدًا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر وابن لها يقال له زيد والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس يومئذ ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقلت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ السنة‏.‏ وكذلك رواه ابن الجارود في المنتقى قال الحافظ‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمير المدينة‏)‏ هو سعيد بن العاص كما وقع مبينًا في سائر الروايات ويجمع بينه وبين ما وقع فيه أن الإمام كان ابن عمر بأن ابن عمر أمَّ بهم بإذنه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ويحمل قوله أن الإمام يومئذ سعيد بن العاص يعني الأمير لا أنه كان إمامًا في الصلاة ويرده قوله في حديث الباب فصلى عليهما أمير المدينة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ أو يحمل على أن نسبة ذلك إلى ابن عمر لكونه أشار بترتيب وضع تلك الجنائز‏.‏

والحديث يدل على أن السنة إذا اجتمعت جنائز أن يصلى عليها صلاة واحدة وقد تقدم في كيفية صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم على قتلى أُحد أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى على كل واحد منهم صلاة وحمزة مع كل واحد وأنه كان يصلي على كل عشرة صلاة‏.‏

وأخرج ابن شاهين أن عبد اللَّه بن معقل بن مقرن أتي بجنازة رجل وامرأة فصلى على الرجل ثم صلى على الرجل ثم صلى على المرأة وفيه انقطاع‏.‏

ـ وفي الحديث ـ أيضًا أن الصبي إذا صلى عليه مع امرأة كان الصبي مما يلي الإمام والمرأة مما يلي القبلة وكذلك إذا اجتمع رجل وامرأة أو أكثر من ذلك كما تقدم عن ابن عمر‏.‏ وقد ذهب إلى ذلك الهادي والقاسم والمؤيد باللَّه وأبو طالب والشافعية والحنفية وقال القاسم بن محمد بن أبي بكر والحسن البصري وسالم بن عبد اللَّه بل الأولى العكس ليلي القبلة الأفضل‏.‏ وفيه أيضًا دليل على أن الأولى بالتقدم للصلاة على الجنازة ذو الولاية ونائبه ويؤيده قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يؤم الرجل في سلطانه‏)‏ وقد تقدم في الصلاة وقد وقع الخلاف إذا اجتمع الإمام والولي أيهما أولى فعند أكثر العترة وأبي حنيفة وأصحابه أن الإمام وواليه أولى وعند الشافعي والمؤيد باللَّه والناصر في رواية عنه أن الولي أولى‏.‏

 باب الصلاة على الجنازة في المسجد

1-عن عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏لما توفي سعد بن أبي وقاص أدخلوا به المسجد حتى أصلي عليه فأنكروا ذلك عليها فقالت‏:‏ واللَّه لقد صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على سهيل ابن البيضاء إلا في جوف المسجد‏)‏ رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

2- وعن عروة قال‏:‏ ‏(‏صلى على أبي بكر في المسجد‏)‏‏.‏

3- وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏صلى على عمر في المسجد‏)‏‏.‏

رواهما سعيد وروى الثاني مالك‏.‏

وأخرج الصلاة على أبي بكر وعمر أيضًا في المسجد ابن أبي شيبة بلفظ‏:‏ ‏(‏إن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وإن صهيبًا صلى على عمر في المسجد‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ابني بيضاء‏)‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء بنو بيضاء ثلاثة أخوة سهل وسهيل وصفوان وأمهم البيضاء اسمها دعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على جواز إدخال الميت إلى المسجد والصلاة عليه فيه وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق والجمهور‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ ورواه المدنيون في رواية عن مالك وبه قال ابن حبيب المالكي وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك في المشهور عنه والهادوية وكل من قال بنجاسة الميت وأجابوا عن حديث الباب بأنه محمول على أن الصلاة على ابني بيضاء وهما كانا خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز بالاتفاق وردَّ بأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بإدخال الجنازة المسجد وأجابوا أيضًا بأن الأمر استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا على عائشة كانوا من الصحابة وردَّ بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه وأن الأمر استقر على الجواز ويدل على ذلك الصلاة على أبي بكر وعمر في المسجد لما تقدم وأيضًا العلة التي لأجلها كرهوا الصلاة على الميت في المسجد هي زعمهم أنه نجس وهي باطلة لما تقدم‏:‏ ‏(‏إن المؤمن لا ينجس حيًا ولا ميتًا‏)‏ وأنهض ما استدلوا به على الكراهة ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له‏)‏ وأخرجه ابن ماجه ولفظه‏:‏ ‏(‏فليس له شيء‏)‏ وفي إسناده صالح مولى التوءمة وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة‏.‏ قال النووي‏:‏ وأجابوا عنه يعني الجمهور بأجوبة‏:‏ أحدها أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به‏.‏ قال أحمد بن حنبل‏:‏ هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوءمة وهو ضعيف، والثاني أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبي داود‏:‏ ‏(‏من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه‏)‏ فلا حجة لهم حينئذ‏.‏ والثالث أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه فلا شيء له لوجب تأويله بأن له بمعنى عليه ليجمع بين الروايتين قال‏:‏ وقد جاء بمعنى عليه كقوله تعالى ‏{‏وإن أسأتم فلها‏}‏‏.‏ الرابع أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه انتهى‏.‏

 أبواب حمل الجنازة والسير بها

1- عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود الطيالسي والبيهقي من رواية أبي عبيدة ابن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه قال الدارقطني في العلل‏:‏ اختلف في إسناده على منصور بن المعتمر ـ وفي الباب ـ عن أبي الدرداء عند ابن أبي شيبة في مصنفه وعن ثوبان عند ابن الجوزي في العلل وإسناده ضعيف‏.‏ وعن أنس عنده أيضًا فيها وإسناده ضعيف‏.‏ وأخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏من حمل جوانب السرير الأربع كفر اللَّه عنه أربعين كبيرة‏)‏ وعن بعض الصحابة عند الشافعي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين‏)‏ ورواه أيضًا ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن شيوخ من بني عبد الأشهل‏.‏ وروى حمل الجنازة عن جماعة من الصحابة والتابعين فأخرج الشافعي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏رأيت سعد ابن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف قائمًا بين العمودين المقدمين واضعًا للسرير على كاهله‏)‏ ورواه الشافعي أيضًا بأسانيد من فعل عثمان وأبي هريرة وابن الزبير وابن عمر أخرجها كلها البيهقي وروى ذلك البيهقي أيضًا من فعل المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب وغيره وفي البخاري أن ابن عمر حمل ابنًا لسعيد بن زيد وروى ابن سعد ذلك عن عثمان وأبي هريرة ومروان وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريق علي الأزدي قال‏:‏ رأيت ابن عمر في جنازة يحمل جوانب السرير الأربع‏.‏ وروى عبد الرزاق عن أبي هريرة أنه قال‏:‏ من حمل الجنازة بجوانبها الأربع فقد قضى الذي عليه‏.‏ وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من تبع الجنازة وحملها ثلاث مرار فقد قضى ما عليه من حقها‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث غريب‏.‏ ورواه بعضهم بهذا الإسناد ولم يرفعه‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية الحمل للميت وأن السنة أن يكون بجميع جوانب السرير‏.‏

 باب الإسراع بها من غير رمل

1-عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتمونها إلى الخير وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

2 - وعن أبي موسى قال ‏(‏مرت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم جنازة تمخض مخض الزق فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ عليكم القصد‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن أبي بكرة قال‏:‏ ‏(‏لقد رأيتنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

4 - وعن محمود بن لبيد عن رافع قال‏:‏ ‏(‏أسرع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ‏)‏‏.‏

أخرجه البخاري في تاريخه‏.‏

حديث أبي موسى أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي وقاسم بن أصبغ وفي إسناده ضعف كما قال الحافظ‏.‏ وأخرج البيهقي عن أبي موسى من قوله إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا في المشي قال‏:‏ وهذا يدل على أن المراد كراهة شدة الإسراع‏.‏ وحديث أبي بكرة أخرجه أيضًا أبو داود والحاكم‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن مسعود عند الترمذي وأبي داود قال‏:‏ ‏(‏سألنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن المشي خلف الجنازة فقال‏:‏ ما دون الخبب فإن كان خيرًا عجلتموه وإن كان شرًا فلا يبعد إلا أهل النار‏)‏ وقد ضعف هذا الحديث البخاري والترمذي وابن عدي والنسائي والبيهقي وغيرهم لأن في إسناده أبا ماجدة قال الدارقطني‏:‏ مجهول‏.‏ وقال يحيى الرازي وابن عدي‏:‏ منكر الحديث والراوي عنه يحيى‏.‏ الجابر بالجيم والباء الموحدة قال البيهقي وغيره‏:‏ إنه ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسرعوا‏)‏ قال ابن قدامة‏:‏ هذا الأمر للاستحباب بلا خلاف بين العلماء وشذ ابن حزم فقال بوجوبه والمراد بالإسراع شدة المشي وعلى ذلك حمله بعض السلف وهو قول الحنفية‏.‏ قال صاحب الهداية‏:‏ ويمشون بها مسرعين دون الخبب وفي المبسوط ليس فيه شيء مؤقت غير أن العجلة أحب إلى أبي حنيفة‏.‏ وعن الجمهور المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد‏.‏ قال في الفتح‏:‏ والحاصل أنه يستحب الإسراع بها لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة الميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا يتنافى المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم‏.‏ قال القرطبي‏:‏ مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن لأن التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال اهـ‏.‏

وحديث أبي بكرة وحديث محمود بن لبيد يدلان على أن المراد بالسرعة المأمور بها في حديث أبي هريرة هي السرعة الشديدة المقاربة للرمل‏.‏

وحديث ابن مسعود يدل على أن المراد بالسرعة ما دون الخبب والخبب على ما في القاموس هو ضرب من العدو أو كالرمل أو السرعة فيكون المراد بالخبب في الحديث ما هو كالرمل بقرينة الأحاديث المتقدمة لا مجرد السرعة‏.‏

وحديث أبي موسى يدل على أن المشي المشروع بالجنازة هو القصد والقصد ضد الإفراط كما في القاموس فلا منافاة بينه وبين الإسراع ما لم يبلغ إلى حد الإفراط ويدل على ذلك ما رواه البيهقي من قول أبي موسى كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالجنازة‏)‏ أي بحملها إلى قبرها وقيل المعنى الإسراع بتجهيزها فهو أعم من الأول‏.‏ قال القرطبي‏:‏ والأول أظهر وقال النووي‏:‏ الثاني باطل مردود بقوله في الحديث تضعونه عن رقابكم وقد قوى الحافظ الثاني بما أخرجه الطبراني بإسناد حسن عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره‏)‏ وبما أخرجه أيضًا أبو داود من حديث الحصين بن وحوح مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله‏)‏ الحديث تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن كانت صالحة‏)‏ أي الجثة المحمولة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تضعونه‏)‏ استدل به على أن حمل الجنازة يختص بالرجال للإتيان فيه بضمير الذكورة ولا يخفى ما فيه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والحديث فيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت لكن بعد أن يتحقق أنه مات أما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغي أن لا يسرع في تجهيزهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم نبه على ذلك ابن بزيزة‏.‏ ويؤخذ من الحديث ترك صحبة أهل البطالة وغير الصالحين اهـ‏.‏

 باب المشي أمام الجنازة وما جاء في الركوب معها

قد سبق في ذلك حديث المغيرة

1 - وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة‏)‏‏.‏

رواه الخمسة واحتج به أحمد‏.‏

حديث المغيرة تقدم في الصلاة على السقط وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا الدارقطني وابن حبان وصححه والبيهقي من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه به قال أحمد‏:‏ إنما هو عن الزهري مرسل‏.‏ وحديث سالم فعل ابن عمر‏.‏ وحديث ابن عيينة وهم‏.‏ قال الترمذي‏:‏ أهل الحديث يرون المرسل أصح قاله ابن المبارك قال‏:‏ وروى معمر ويونس ومالك عن الزهري‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يمشي أمام الجنازة‏)‏ قال الزهري‏:‏ وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة قال الترمذي‏:‏ ورواه ابن جريج عن الزهري مثل ابن عيينة ثم روى عن ابن المبارك أنه قال‏:‏ أرى ابن جريج أخذه عن ابن عيينة‏.‏ وقال النسائي‏:‏ وصله خطأ والصواب مرسل‏.‏ وقال أحمد‏:‏ حدثنا حجاج قرأت على ابن جريج حدثنا زياد بن سعد أن ابن شهاب أخبره حدثني سالم عن ابن عمر أنه كان يمشي بين يدي الجنازة وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمامها‏.‏ وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من فعل ابن عمر وأبي بكر وعثمان‏.‏ قال الزهري‏:‏ وكذلك السنة‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ فهذا أصح من حديث ابن عيينة وصحح الدارقطني بعد ذكر الاختلاف أنه فعل ابن عمر ورجح البيهقي الموصول لأن ابن عيينة ثقة حافظ وقد أتى بزيادة على من أرسل والزيادة مقبولة وقد قال لما قال له ابن المديني إنه قد خالفه الناس في هذا الحديث أن الزهري حدثه به مرارًا عن سالم عن أبيه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا لا ينفي الوهم لأنه ضبط أنه سمعه منه عن سالم عن أبيه وهو كذلك إلا أن فيه إدراجًا وقد جزم بصحة الحديث ابن المنذر وابن حزم‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أنس عند الترمذي مثله وقال‏:‏ سألت عنه البخاري فقال هذا خطأ أخطأ فيه محمد بن بكر‏.‏

وقد اختلف أهل العلم هل الأفضل لمتبع الجنازة أن يمشي خلفها أو أمامها فقال الزهري ومالك والشافعي وأحمد والجمهور وجماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وأبو هريرة‏:‏ إن المشي أمام الجنازة أفضل واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب‏.‏ وقال أبو حنيفة وأصحابه وحكاه الترمذي عن سفيان الثوري وإسحاق وحكاه في البحر عن العترة أن المشي خلفها أفضل واستدلوا بما تقدم من حديث ابن مسعود عند الترمذي وأبي داود قال‏:‏ ‏(‏سألنا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن المشي خلف الجنازة فقال‏:‏ ما دون الخبب‏)‏ فقرر قولهم خلف الجنازة ولم ينكره واستدلوا أيضًا بما روي عن طاوس أنه قال‏:‏ ‏(‏ما مشى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى مات إلا خلف الجنازة‏)‏ وهذا مع كونه مرسلًا لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث‏.‏ وروى في البحر عن علي عليه السلام أنه قال‏:‏ المشي خلف الجنازة أفضل وحكى في البحر عن الثوري أنه قال‏:‏ الراكب يمشي خلفها والماشي أمامها ويدل لما قاله حديث المغيرة المتقدم‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريبًا منها عن يمينها أو عن يسارها‏)‏ أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم وهذا مذهب قوي لولا ما سيأتي من الأدلة الدالة على كراهة الركوب لمتبع الجنازة‏.‏ وقال أنس بن مالك‏:‏ إنه يمشي بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها‏.‏ رواه البخاري عنه تعليقًا ووصله عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز ووصله أيضًا ابن أبي شيبة وعبد الرزاق‏.‏

2 - وعن جابر بن سمرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيًا ورجع على فرس‏)‏‏.‏

رواه الترمذي‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏أتي بفرس معرور فركبه حين انصرفنا من جنازة ابن الدحداح ونحن نمشي حوله‏)‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

3 - وعن ثوبان قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في جنازة فرأى ناسًا ركبانًا فقال‏:‏ ألا تستحيون إن ملائكة اللَّه على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والترمذي‏.‏

4 - وعن ثوبان أيضًا‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أتي بدابة وهو مع جنازة فأبى أن يركبها فلما انصرف أتي بدابة فركب فقيل له فقال‏:‏ إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون فلما ذهبوا ركبت‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث جابر بن سمرة قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح وفي لفظ له‏:‏ ‏(‏وهو على فرس له يسعى ونحن حوله وهو يتوقص به‏)‏ وحديث ثوبان الأول قال الترمذي‏:‏ قد روي عنه مرفوعًا‏.‏ ولم يتكلم عليه بحسن ولا ضعف وفي إسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف‏.‏ وحديث ثوبان الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن الدحداح‏)‏ بدالين مهملتين وحاء بين مهملتين ويقال أبو الدحداح ويقال أبو الدحداحة‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لا يعرف اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورجع على فرس‏)‏ فيه أنه لا بأس بالركوب عند الرجوع من دفن الميت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معرور‏)‏ بضم الميم وفتح الراء‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ اعروريت الفرس إذا ركبته عريانًا فهو معرور‏.‏ قال النووي‏:‏ ولم يأت افعوعل معدى إلا قولهم اعروريت الفرس واحلوليت الشيء اهـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحن نمشي حوله‏)‏ فيه جواز مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب وأنه لا كراهة فيه في حقه ولا في حقهم إذا لم يكن فيه مفسدة وإنما يكره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب أو نحو ذلك من المفاسد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا تستحيون‏)‏ فيه كراهة الركوب لمن كان متبعًا للجنازة ويعارضه حديث المغيرة المتقدم من أذنه للراكب أن يمشي خلف الجنازة ويمكن الجمع بأن قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم الراكب خلفها لا يدل على عدم الكراهة وإنما يدل على الجواز فيكون الركوب جائزًا مع الكراهة أو بأن إنكاره صلى اللَّه عليه وآله وسلم على من ركب وتركه للركوب إنما كان لأجل مشي الملائكة ومشيهم مع الجنازة التي مشى معها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يستلزم مشيهم مع كل جنازة لإمكان أن يكون ذلك معهم تبركًا به صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيكون الركوب على هذا جائزًا غير مكروه واللَّه تعالى أعلم‏.‏

 باب ما يكره مع الجنازة من نياحة أو نار

1 - عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه أن نتبع جنازة معها رانة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

2 - وعن أبي بردة قال‏:‏ ‏(‏أوصي أبو موسى حين حضره الموت فقال‏:‏ لا تتبعوني بمجمر قالوا‏:‏ أو سمعت فيه شيئًا قال‏:‏ نعم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث الأول إسناده عند ابن ماجه هكذا حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عبيد اللَّه أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عمر‏.‏ وأبو يحيى هذا القتات وفيه مقال وبقية رجاله ثقات‏.‏ والحديث الثاني في إسناده أبو حريز مولى معاوية قال في التقريب‏:‏ شامي مجهول‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ مجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معها رانة‏)‏ هي بالراء المهملة وبعد الألف نون مشددة أو مصوتة‏.‏ قال في القاموس‏:‏ رن يرن رنينًا صاح اهـ ‏(‏وفيه دليل‏)‏ على تحريم إتباع الجنازة التي معها النائحة وعلى تحريم النوح وسيأتي الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمجمر‏)‏ المجمر كمنير الذي يوضع فيه الجمر‏.‏ وفيه دليل على أنه لا يجوز إتباع الجنائز بالمجامر وما يشابهها لأن ذلك من فعل الجاهلية وقد هدم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك وزجر عنه‏.‏

 باب من اتبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع

1 - عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها فمن اتبعها فلا يجلس حتى توضع‏)‏‏.‏

- رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكن إنما لأبي داود منه‏:‏ ‏(‏إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع‏)‏ وقال‏:‏ روى هذا الحديث الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال فيه‏:‏ ‏(‏حتى توضع في الأرض‏)‏ ورواه أبو معاوية عن سهيل‏:‏ ‏(‏حتى توضع في اللحد‏)‏ وسفيان أحفظ من أبي معاوية‏.‏

2 - وعن علي بن أبي طالب عليه السلام‏:‏ ‏(‏أنه ذكر القيام في الجنائز حتى توضع فقال علي عليه السلام‏:‏ قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم قعد‏)‏‏.‏

رواه النسائي والترمذي وصححه‏.‏ ولمسلم معناه‏.‏

ولفظ مسلم من حديث علي عليه السلام‏:‏ ‏(‏قام النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعني في الجنازة ثم قعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها‏)‏ فيه مشروعية القيام للجنازة إذا مرت لمن كان قاعدًا وسيأتي الكلام فيه في الباب الذي بعد هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمن اتبعها فلا يجلس‏)‏ فيه النهي عن جلوس الماشي مع الجنازة قبل أن توضع على الأرض فقال الأوزاعي وإسحاق وأحمد ومحمد بن الحسن‏:‏ إنه مستحب‏.‏ حكى ذلك عنهم النووي والحافظ في الفتح ونقله ابن المنذر عن أكثر الصحابة والتابعين قالوا‏:‏ والنسخ إنما هو في قيام من مرت به لا في قيام من شيعها‏.‏ وحكى في الفتح عن الشعبي والنخعي أنه يكره القعود قبل أن توضع قال‏:‏ وقال بعض السلف‏:‏ يجب القيام واحتج له برواية النسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا‏:‏ ‏(‏ما رأينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع‏)‏ انتهى‏.‏

ولا يخفى أن مجرد الفعل لا ينتهض دليلًا للوجوب فالأولى الاستدلال له بحديث الباب فإن فيه النهي عن القعود قبل وضعها وهو حقيقة للتحريم وترك الحرام واجب‏.‏ ومثل ذلك حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعًا‏:‏ ‏(‏من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه فإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع‏)‏ وروى الحافظ عن الشعبي والنخعي أن القعود مكروه قبل أن توضع‏.‏ ومما يدل على الاستحباب ما رواه البيهقي عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما إن القائم مثل الحامل يعني في الأجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى توضع في الأرض‏)‏ قد ذكر المصنف كلام أبي داود في ترجيح هذه الرواية على الرواية الأخرى أعني قوله ‏(‏حتى توضع في اللحد‏)‏ وكذلك أشار البخاري إلى ترجيحها بقوله باب من شهد جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال‏.‏ وأخرج أبو نعيم عن سهيل قال‏:‏ رأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال‏.‏ وهذا يدل على أن الرواية الأولى أرجح لأن أبا صالح راوي الحديث وهو أعرف بالمراد منه وقد تمسك بالرواية الثانية صاحب المحيط من الحنفية فقال‏:‏ الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب انتهى‏.‏ وإذا قعد الماشي مع الجنازة قبل أن توضع فهل يسقط القيام أو يقوم الظاهر الثاني لأن أصل مشروعية القيام تعظيم أمر الموت وهو لا يفوت بذلك‏.‏ وقد روى البخاري في صحيحه أن أبا هريرة ومروان كانا مع جنازة فقعدا قبل أن توضع فجاء أبو سعيد فأخذ بيد مروان فأقامه وذكر أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى عن ذلك فقال أبو هريرة صدق ورواه الحاكم بنحو ذلك وزاد أن مروان لما قال له أبو سعيد‏:‏ قم‏.‏ قام ثم قال له‏:‏ لم أقمتني‏.‏ فذكر له الحديث فقال لأبي هريرة‏:‏ فما منعك أن تخبرني فقال‏:‏ كنت إمامًا فجلست فجلست‏.‏

وقد استدل المهلب بقعود أبي هريرة ومروان على أن القيام ليس بواجب وأنه ليس عليه العمل‏.‏ قال الحافظ‏:‏ إن أراد أنه ليس بواجب عنهما فظاهر وإن أراد في نفس الأمر فلا دلالة فيه على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن علي عليه السلام‏)‏ الخ ذكر المصنف هذا الحديث للاستدلال به على نسخ مشروعية القيام لمن تبع الجنازة حتى توضع لقوله فيه ‏(‏حتى توضع‏)‏ فإنه يدل على أن المراد به قيام التابع للجنازة لا قيام من مرت به لأنه لا يشرع حتى توضع بل حتى تخلفه كما سيأتي ولكنه سيأتي في باب القيام للجنازة من حديث عامر بن ربيعة عند الجماعة بلفظ‏:‏ ‏(‏حتى تخلفكم أو توضع‏)‏ فذكر الوضع في حديث علي عليه السلام لا يكون نصًا على أن المراد قيام التابع وقد استدل به الترمذي على نسخ قيام من رأى الجنازة فقال بعد إخراجه له‏:‏ وهذا ناسخ للأول ‏(‏إذا رأيتم الجنازة فقوموا‏)‏ اهـ‏.‏ ولو سلم أن المراد بالقيام المذكور في حديث علي هو قيام التابع للجنازة فلا يكون تركه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ناسخًا مع عدم ما يشعر بالتأسي به في هذا الفعل بخصوصه لما تقرر في الأصول من أن فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا ينسخه‏.‏

 باب ما جاء في القيام للجنازة إذا مرت

1 - عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ ولأحمد‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه‏)‏ وله أيضًا عنه‏:‏ ‏(‏أنه ربما تقدم الجنازة فقعد حتى إذا رآها قد أشرفت قام حتى توضع‏)‏‏.‏

2 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏مر بنا جنازة فقام لها النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقمنا معه فقلنا‏:‏ يا رسول اللَّه إنها جنازة يهودي فقال‏:‏ إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها‏)‏‏.‏

3 - وعن سهل بن حنيف وقيس بن سعد‏:‏ ‏(‏أنهما كانا قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما‏:‏ إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة فقالا‏:‏ إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له‏:‏ إنها جنازة يهودي فقال‏:‏ أليست نفسًا‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏ وللبخاري عن ابن أبي ليلى قال‏:‏ كان أبو مسعود وقيس يقومان للجنازة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تخلفكم‏)‏ بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة أي تترككم ورائها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مر بنا‏)‏ في رواية الكشميهني مرت بفتح الميم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها‏)‏ زاد البيهقي‏:‏ ‏(‏إن الموت فزع‏)‏ وكذا لمسلم من وجه آخر‏.‏ قال القرطبي‏:‏ معناه أن الموت يفزع‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ وهو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة أو فيه تقدير أي الموت ذو فزع‏.‏ ويؤيد ذلك ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏إن للموت فزعًا‏)‏ وعن ابن عباس مثله عند البزار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أليست نفسًا‏)‏ هذا لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال‏:‏ إن للموت فزعًا‏.‏ وكذا ما أخرج الحاكم عن أنس مرفوعًا‏:‏ ‏(‏إنما قمنا للملائكة‏)‏ ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى ولأحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا‏:‏ إنما تقومون إعظامًا للذي يقبض النفوس‏.‏ ولفظ ابن حبان‏:‏ إعظامًا للَّه تعالى الذي يقبض الأرواح فإن ذلك لا ينافي التعليل السابق لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر اللَّه تعالى وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة‏.‏ فأما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن بن علي قال‏:‏ إنما قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم تأذيًا بريح اليهود‏.‏ زاد الطبراني‏:‏ فأذاه ريح بخورها‏.‏ وللطبراني والبيهقي من وجه آخر عنه كراهية أن يعلو على رأسه فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة أما أولًا فلأن أسانيد هذه لا تقاوم تلك في الصحة وأما ثانيًا فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فعلل باجتهاده ومقتضى التعليل بقوله ‏(‏أليست نفسًا‏)‏ أن ذلك يستحب لكل جنازة‏.‏

واختلف العلماء في هذه المسألة فذهب أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون إن القيام للجنازة لم ينسخ والقعود منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما في حديث علي الآتي إنما هو لبيان الجواز فمن جلس فهو في سعة ومن قام فله أجر‏.‏ وكذا قال ابن حزم إن قعوده صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب ولا يجوز أن يكون نسخًا‏.‏ قال النووي‏:‏ والمختار أنه مستحب وبه قال المتولي وصاحب المهذب من الشافعية‏.‏ وممن ذهب إلى استحباب القيام ابن عمر وابن مسعود وقيس بن سعد وسهل بن حنيف كما يدل على ذلك الروايات المذكورة في الباب‏.‏ وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي‏:‏ إن القيام منسوخ بحديث علي الآتي‏.‏ قال الشافعي‏:‏ إما أن يكون القيام منسوخًا أو يكون لعلة وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إليَّ انتهى‏.‏ وسيأتي بيان ما هو الحق‏.‏ وظاهر أحاديث الباب أنه يشرع القيام لجنازة المسلم والكافر كما تقدم‏.‏

4 - وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بنحوه‏.‏

5 - وعن ابن سيرين‏:‏ ‏(‏أن جنازة مرت بالحسن وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس فقال الحسن لابن عباس‏:‏ أما قام لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ قام وقعد‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

الحديث الأول رجال إسناده ثقات عند أبي داود وابن ماجه وقد أخرجه ابن حبان بهذا اللفظ والبيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود‏)‏ وقد خرج حديث علي مسلم باللفظ الذي تقدم في الباب الأول‏.‏ والحديث الثاني رجال إسناده ثقات وقد أشار إليه الترمذي أيضا‏.‏ً

ـ وفي الباب ـ عن عبادة بن الصامت عند أبي داود والترمذي وابن ماجه والبزار‏:‏ ‏(‏أن يهوديًا قال‏:‏ لما كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقوم للجنازة هكذا يفعل فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اجلسوا وخالفوهم‏)‏ وفي إسناده بشر بن رافع وليس بالقوي كما قال الترمذي‏.‏ وقال البزار‏:‏ تفرد به بشر وهو لين‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث عبادة غريب‏.‏ وقال أبو بكر الهمداني ولو صح لكان صريحًا في النسخ غير أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت فلا يقاومه هذا الإسناد وقد تمسك بهذه الأحاديث من قال إن القيام للجنازة منسوخ وقد تقدم ذكرهم‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي هذا وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وهو ههنا ممكن‏.‏

واعلم أن حديث علي باللفظ الذي سبق في الباب الأول لا يدل على النسخ لما عرفناك من أن فعله لا ينسخ القول الخاص بالأمة‏.‏ وأما حديثه باللفظ الذي ذكره هنا فإن صح صلح النسخ لقوله فيه‏:‏ ‏(‏وأمرنا بالجلوس‏)‏ ولكنه لم يخرج هذه الزيادة مسلم ولا الترمذي ولا أبو داود بل اقتصروا على قوله ‏(‏ثم قعد‏)‏‏.‏

وأما حديث ابن عباس فكذلك أيضًا لا يدل على النسخ لما عرفت‏.‏ وأما حديث عبادة بن الصامت فهو صريح في النسخ لولا ضعف إسناده فلا ينبغي أن يستند في نسخ تلك السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة من طريق جماعة من الصحابة إلى مثله بل المتحتم الأخذ بها واعتقاد مشروعيتها حتى يصح ناسخ صحيح ولا يكون الأمر بالجلوس أو نهي عن القيام أو إخبار من الشارع بأن تلك السنة منسوخة بكذا واقتصار جمهور المخرجين لحديث علي عليه السلام وحفاظهم على مجرد القعود بدون ذكر زيادة الأمر بالجلوس مما يوجب عدم الاطمئنان إليها والتمسك بها في النسخ لما هو من الصحة في الغاية لا سيما بعد أن شد من عضدها عمل جماعة من الصحابة بها يبعد كل البعد أن يخفى على مثلهم الناسخ ووقوع ذلك منهم بعد عصر النبوة‏.‏ ويمكن أن يقال إن الأمر بالجلوس لا يعارض بفعل بعض الصحابة بعد أيام النبوة لأن من علم حجة على من لم يعلم‏.‏ وحديث عبادة وإن كان ضعيفًا فهو لا يقصر عن كونه شاهدًا لحديث الأمر بالجلوس‏.‏

 أبواب الدفن وأحكام القبور

 باب تعميق القبر واختيار اللحد على الشق

1 - عن رجل من الأنصار قال‏:‏ ‏(‏خرجنا في جنازة فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر ويقول‏:‏ أوسع من قبل الرأس وأوسع من قبل الرجلين رب عذق له في الجنة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

2 - وعن هشام بن عامر قال‏:‏ ‏(‏شكونا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم أُحد فقلنا‏:‏ يا رسول اللَّه الحفر علينا لكل إنسان شديد فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد فقالوا‏:‏ فمن نقدم يا رسول اللَّه قال‏:‏ قدموا أكثرهم قرآنًا وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد‏)‏‏.‏

رواه النسائي والترمذي بنحوه وصححه‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا البيهقي‏.‏ قال الحافظ‏:‏ إسناده صحيح‏.‏ والحديث الثاني أخرجه أيضًا أبو داود وابن ماجه واختلف فيه على حميد بن هلال راويه عن هشام فمنهم من أدخل بينه وبين سعد بن هشام ابنه ومنهم من أدخل بينهما أبا الدهماء ومنهم من لم يذكر بينهما أحدًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوصي‏)‏ بالواو والصاد من التوصية وذكر ابن المواق أن الصواب يرمي بالراء والميم وأطال في ذلك‏.‏ وفيه مشروعية التوصية من الحاضرين للدفن بتوسيع القبر وتفقد ما يحتاج إلى التفقد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رب عذق‏)‏ العذق بفتح العين النخلة والجمع أعذق وأعذاق وبكسر العين القنو منها والعنقود من العنب والجمع أعذاق وعذوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأعمقوا وأحسنوا‏)‏ فيه دليل على مشروعية إعماق القبر وإحسانه‏.‏ وقد اختلف في حد الإعماق فقال الشافعي‏:‏ قامة‏.‏ وقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ إلى السرة‏.‏ وقال الإمام يحيى‏:‏ إلى الثدي‏.‏ وأقله ما يواري الميت ويمنع السبع‏.‏ وقال مالك‏:‏ لا حد لإعماقه‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال‏:‏ أعمقوا القبر إلى قدر قامة وبسطة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وادفنوا الاثنين‏)‏ الخ فيه جواز الجمع بين جماعة في قبر واحد ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كما في مثل هذه الواقعة وإلا كان مكروهًا كما ذهب إليه الهادي والقاسم وأبو حنيفة والشافعي‏.‏ قال المهدي في البحر‏:‏ أو تبركًا كقبر فاطمة فيه خمسة يعني فاطمة والحسن بن علي وعلي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وولده جعفر بن محمد الصادق وهذا من المجاورة لا من الجمع بين جماعة في قبر واحد الذي هو المدعى‏.‏ وقد قدمنا في باب ترك غسل الشهيد طرفًا من الكلام على دفن الجماعة في قبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدموا أكثرهم قرآنًا‏)‏ فيه دليل على أنه يقدم في اللحد من كان أكثرهم أخذًا للقرآن ويلحق بذلك سائر المزايا الدينية لعدم الفارق‏.‏

3 - وعن عامر بن سعد قال‏:‏ ‏(‏قال سعد‏:‏ ألحدوا لي لحدًا وانصبوا عليَّ اللبن نصبًا كما صنع برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه‏.‏

4 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان رجل يلحد وآخر يضرح فقالوا نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا له‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏ ولابن ماجه هذا المعنى من حديث ابن عباس وفيه‏:‏ ‏(‏إن أبا عبيدة بن الجراح كان يضرح وإن أبا طلحة كان يلحد‏)‏‏.‏

5 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اللحد لنا والشق لغيرنا‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏ قال الترمذي‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏

حديث أنس قال الحافظ‏:‏ إسناده حسن‏.‏ وحديث ابن عباس الأول قال الحافظ أيضًا‏:‏ في إسناده ضعف وحديثه الثاني أخرجه من ذكره المصنف عن سعيد بن جبير عنه قال‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ وصححه ابن السكن وحسنه الترمذي كما وجدنا ذلك في بعض النسخ الصحيحة من جامعه‏.‏ وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر وهو ضعيف‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن جرير بن عبد اللَّه عند أحمد والبزار وابن ماجه بنحو حديث ابن عباس الثاني وفيه عثمان بن عمير وهو ضعيف وزاد أحمد بعد قوله لغيرنا أهل الكتاب‏.‏ وعن ابن عمر عند أحمد وفيه عبد اللَّه العمري بلفظ‏:‏ ‏(‏أنهم ألحدوا للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لحدًا‏)‏ وأخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏ألحدوا للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولأبي بكر وعمر‏)‏ وعن جابر عند ابن شاهين بنحو حديث سعد بن أبي وقاص‏.‏ وعن بريدة عند ابن عدي في الكامل وعن عائشة عند ابن ماجه بنحو حديث أنس وإسناده ضعيف وله طريق أخرى عند ابن أبي حاتم في العلل وقال‏:‏ إنها خطأ والصواب المحفوظ مرسل وكذا رجح الدارقطني المرسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألحدوا‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ هو بوصل الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطع الهمزة وكسر الحاء يقال لحد يلحد كذهب يذهب وألحد يلحد إذا حفر القبر واللحد بفتح اللام وضمها معروف وهو الشق تحت الجانب القبلي من القبر انتهى‏.‏ قال الفراء‏:‏ الرباعي أجود وقال غيره‏:‏ الثلاثي أكثر ويؤيده حديث عائشة في قصة دفن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد‏.‏ وسمي اللحد لحدًا لأنه شق يعمل في جانب القبر فيميل عن وسطه والإلحاد في أصل اللغة الميل والعدول‏.‏ ومنه قيل للمائل عن الدين ملحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وانصبوا على اللبن نصبًا‏)‏ فيه استحباب نصب اللبن لأنه الذي صنع برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم باتفاق الصحابة‏.‏ قال النووي‏:‏ وقد نقلوا أن عدد لبناته صلى اللَّه عليه وآله وسلم تسع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يضرح‏)‏ أي يشق في وسط القبر‏.‏ قال الجوهري‏:‏ الضرح الشق‏.‏

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على استحباب اللحد وأنه أولى من الضرح وإلى ذلك ذهب الأكثر كما قال النووي وحكى في شرح مسلم إجماع العلماء على جواز اللحد والشق انتهى‏.‏ ووجه ذلك أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرر من كان يضرح ولم يمنعه‏.‏ ولا يقدح في صحة حديث ابن عباس الثاني وما في معناه تحير الصحابة عند موته صلى اللَّه عليه وآله وسلم هل يلحدون له أو يضرحون بأن يقال لو كان عندهم علم بذلك لم يتحيروا لأنه يمكن أن يكون من سمع منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك لم يحضر عند موته‏.‏